للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من يشاء ويضل من يشاء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولقد قال تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (١) {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} (٢) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ} (٣) أي لا أحد يتولى أمرهم ولا أحد يقدر على هدايتهم ولو توسلوا بالأنبياء والأولياء والملائكة والصالحين والأصفياء، والقصد من ذلك أن يقبل العباد بقلوبهم على ربهم ويصدقوا الرغبة إليه، ويدعوه مخلصين له الدين وينصرفوا بقلوبهم وأعمالهم عن كل مخلوق تحقيقا لوصف العبودية التي هي غاية الذل مع غاية الحب، فهو سبحانه قريب مجيب كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (٤)، فهو أعلم بعباده وهو المطلع على الضمائر والنيات، ويعلم ما تكنه الصدور وما توسوس به النفوس، ويعلم السر وأخفى، فكيف مع ذلك يعدل عنه العباد، وكيف يحتاج إلى من يعرفه بخلقه، وكيف يكون المخلوق أعلم من الرب الخالق تعالى بما في قلب الداعي، فالصدور عن الخالق إلى أحد من المخلوقين فيه غاية التنقص للرب عز وجل وسوء الظن به أنه لا يعلم بعباده حتى ينبهه غيره من المخلوقين، تعالى الله علوا كبيرا.


(١) سورة الزمر الآية ٣٦
(٢) سورة الزمر الآية ٣٧
(٣) سورة الإسراء الآية ٩٧
(٤) سورة البقرة الآية ١٨٦