للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجتمع قد غلب عليه الشرك ووسائله كعبادة الأموات وعمارة ما يسمى بالمشاهد برفع قبور الصالحين والأولياء وبناء القباب عليها وتحري الصلاة عندها، وبالعكوف حولها وبالذبح لها تعظيما واحتراما، وبإيقاد السرج عليها طوال الليل وبالنذور والهدايا إلى تلك الضرائح وتعليق الرجاء عليها والهتاف بأسماء الأموات وندائهم ودعائهم مع الله، كقبر شمسان وتاج ويوسف وزيد بن الخطاب ونحوهم، فبين لأهل زمانه أن حقهم علينا محبتهم واتباعهم والعمل مثل أعمالهم، فأما الدعاء والرجاء والذبح والنذر فهو خالص حق الله، وأورد لهم النصوص الصريحة في مصادمة ما فعلوه للتوحيد كقوله صلى الله عليه وسلم «لعن الله من ذبح لغير الله (١)» مع قوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (٢) أي خصه وحده بالصلاة والنحر، فمتى صلى أحد أو نحر لغير الله فقد أشركه في حق الله، وبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد فقال قبل أن يموت بخمس: «ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (٣)» وقال وهو في سياق الموت «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٤)» يحذر ما صنعوا، وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج (٥)» ودعا ربه فقال «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٦)» والمعنى أن الأولين أشركوا حيث تحروا الصلاة عند قبور الأولياء والأنبياء، فكل موضع قصدت الصلاة فيه فهو مسجد ولو لم يبن مسجدا له منبر موجه إلى القبلة، فإن المسجد ما يتخذ للركوع والسجود فيه.

فأهل ذلك الزمان قد غلب عليهم قصد قبور الأولياء والصالحين للصلاة عندها لاعتقاد أن للصلاة هناك مزية، وأنها أفضل من الصلاة في المساجد ومع


(١) من حديث علي عند مسلم ١٣/ ١٤١ وغيره.
(٢) سورة الكوثر الآية ٢
(٣) بعض من حديث جندب عند مسلم ٥/ ١٣.
(٤) عن عائشة عند مسلم ٥/ ١٢.
(٥) رواه أبو داود ٣٢٣٦ عن ابن عباس.
(٦) رواه أحمد ٢/ ٢٤٦ عن أبي هريرة رضي الله عنه.