للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جماعة المسلمين، أو أن ذلك الولي يشفع في هذه الصلاة لتقبل أو يضاعف ثوابها ونحو ذلك من الاعتقادات الفاسدة، ولا شك أن هذا تعظيم للمخلوق ورفع لمنزلته إلى درجة لا يستحقها إلا الله، فأما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فإننا نمجده ونحبه ونقدم محبته على الأنفس والأموال فإن ذلك شرط لصحة الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين (١)» ولكن لا نخرجه بهذه المحبة عن طبيعة البشر فنجعله ربا أو إلها أو خالقا أو رازقا، وإنما ميزته الرسالة حيث فضله الله على جميع البشر وأنزل عليه الوحي وكلفه بحمل الرسالة وتبليغها إلى جميع الناس، مع أنه لا يزال متصفا بالبشرية وبالعبودية، قال الله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (٢) بل إن الرسل كلهم لم يخرجوا عن وصف البشرية كما حكى الله عن الرسل قولهم لأممهم: {إِنْ نَحْنُ إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (٣) ولما تعنت بعض المشركين وطلبوا منه بعض الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله قال الله تعالى له: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلاَّ بَشَرًا رَسُولًا} (٤) فهل من دليل يفيد أن الرسل خرجوا عن طبيعة البشرية فصاروا يعلمون الغيب ويملكون التصرف في الكون، ويشاركون الرب في الإعطاء والمنع والضر والنفع ونحو ذلك، أليس قد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (٥) بل أمره الله تعالى أن ينفي عن نفسه هذه الأمور حيث قال تعالى: {قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (٦) بل قد وصفه الله تعالى بالعبودية التي هي تمام التذلل والخضوع للرب عز وجل فقال تعالى في مقام التحدي:


(١) رواه مسلم ٢/ ١٥ وغيره عن أنس رضي الله عنه.
(٢) سورة الكهف الآية ١١٠
(٣) سورة إبراهيم الآية ١١
(٤) سورة الإسراء الآية ٩٣
(٥) سورة الأحقاف الآية ٩
(٦) سورة الأنعام الآية ٥٠