وما واظب المسلمون على هذا الخلق الحميد، الذي ترك انعكاسا متميزا، في قلوب من يتعاملون معهم، إلا أن الأمانة التي حثهم عليها دينهم، وأدوها التزاما وعملا، كانت صفة طيبة، وذات أثر عند الآخرين، وأعجبوا بها، لأنها من عند الله، وأمر بها رسوله الكريم، لما يرون في الامتثال بها من أهمية كبيرة، كما قال سبحانه وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}(١).
يقول واحد من كبار المستشرقين، في مؤتمر الاستشراق التاسع، الذي عقد في القدس، في مطلع العام الميلادي المنصرم، مع إرهاصات الحرب العالمية الأولى، ضد الخلافة الإسلامية العثمانية: لو طبق المسلمون تعاليم دينهم، وأدوا في ذلك الأمانة، التي أمروا بها، كما عمل أسلافهم، لانقادت أوروبا للإسلام بطواعية.
إنهم بمثل هذه المقولة يدركون - بما درسوه عن الإسلام - صفات السمو والرفعة في هذا الدين، ومنها الأمانة، فكان من وصاياهم، بذل الجهد في مباعدة أبناء الإسلام عنها بالتساهل، وعدم الالتزام، حتى يخف ميزان الإسلام من قلوبهم، وليعملوا جهدهم، في محاربة تلك الصفات، حتى لا تنتشر في مجتمعهم،