للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال هذا الكاتب: من ذاق حلاوة أنسه رأى من لطفه العجائب، وتمتع بلذيذ الخطاب بعد رفع الحجاب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} (١) لفظ (أيها) بالذات في لغة العرب لا يقال إلا عند المواجهة، والشاهد لا يكون عن غيبة، بل لا بد من حضور، قال صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة (٢)» (٣).

جوابه أن نقول: يعتقد الصوفية أن حلاوة الأنس بالله تعالى لا تحصل إلا بالخلوة الطويلة والانفراد ويسمون تلك الخلوة جمعية القلب، فإن أحدهم ينفرد في زاوية من مكان مظلم ويبدأ في التفكير ويطيل النظر ويتناسى الخلق كلهم ويجمع همه على ربه، فربما ترك عدة صلوات متوالية تمر به حالة انفراده مخافة تفرق همومه وفساد جمعيته. وفي النهاية يزعم أنه يحصل له تلك الخلوة مكاشفات واطلاع على الملأ الأعلى وعلى أمور غيبية وخفية، ويسمي ذلك لذة الأنس أو حلاوة المناجاة ويزعم أنه يتمتع بلذيذ الخطاب ويرفع له الحجاب عن ربه فيطلع بقلبه على ما


(١) سورة الأحزاب الآية ٤٥
(٢) سنن النسائي عشرة النساء (٣٩٤٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٨٥).
(٣) في المسند ٣/ ١٢٨ عن أنس.