للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (١) وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (٢) وهذا الكاتب قد ذكر أن الصوفية ترفع عنهم الحجب والأستار ويناجون ربهم ويتلذذون بكلامه، ومعنى هذا أنهم فاقوا كثيرا من الأنبياء والرسل الذين هم الواسطة بين الله وبين العباد، فإن الرسل إنما يوحي الله إليهم وحيا، أو يرسل إليهم رسولا ملكيا، أو يكلمهم من وراء حجاب كما في نص هذه الآية، أما الصوفية في زعم هذا الكاتب فإنها ترفع لهم الحجب وتخترق قلوبهم الأستار، وتتصل بالملأ الأعلى، وتسمع خطاب الرب تعالى مباشرة، وتتمتع بلذيذ ذلك الخطاب، فهل بعد هذا الغلو والرفع لمقامهم من زيادة، سبحان ربنا الأعلى!، فأما استدلاله بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} (٣) وقوله: لفظ " أيها " بالذات في لغة العرب لا يقال إلا عند المواجهة، والشاهد لا يكون عن غيبة، بل لا بد من حضور. فالمتبادر أنه يقصد أحد أمرين:

أحدهما: أن الله خاطبه وهو حاضر شاهد عنده بأن كشف له الستار وقربه من حضرة القدس وخاطبه كفاحا بلا واسطة ملك ولا غيره. وهذا ليس على إطلاقه، فإن الآيات التي فيها نداء النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن كثيرة، ومعلوم أنها نزلت كغيرها بواسطة الملك وحيا من الله إليه كما في قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (٤) {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (٥).

الثاني: أن يقصد أننا متى قرأنا هذه الآية فإنا نخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم كأنا نراه مواجهة ومقابلة، وأنه شاهد عندنا حاضر ليس بغائب، فيفيد ذلك أنه حي لم يمت، وأنه يسمع كل من خاطبه بهذه الآية أو غيرها، وأنه شاهد مع كل أحد في كل مكان متى ناداه وخاطبه سمعه وأجابه، وأن هذا الوصف يعم كل ولي وصالح من أكابر الصوفية ونحوهم، وهذا لا يصح، فلفظ " أيها " ليس خاصا كما قال هذا بالمواجهة، بل إن الله خاطب نبيه بهذه الآيات الكثيرة


(١) سورة النساء الآية ١٦٤
(٢) سورة الشورى الآية ٥١
(٣) سورة الأحزاب الآية ٤٥
(٤) سورة الشعراء الآية ١٩٣
(٥) سورة الشعراء الآية ١٩٤