للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (١) وإذا كان الأنبياء والرسل يلتمسون الرزق ويطلبون المال من وجوهه كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} (٢) فكيف بأتباعهم ومن هو دونهم، فإن أراد الكاتب بالانقطاع إلى الله ترك الدنيا وما فيها والزهد في المباحات والرهبنة وترك كل الملذات ومشتبهات النفس التي تتقوى بها على الطاعات، فهذا الوصف والقصد غير صحيح، بل هو خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الرسل وأتباعهم، فأما قول الكاتب: ويهيئ النفس للملكية فهو خطأ من القول، فإن أراد بالملكية الصعود بالنفس إلى مقام الملائكة واتصافها بالروحية والنورانية والاتصال بالملأ الأعلى ونحو ذلك فلا يصح، فإن نفس الإنسان لا تصل إلى صفات الملائكة التي من خصائصها العلو والخفة والنور والمكاشفات والاستغناء عن الدنيا والانكفاف عن الشهوات ونحوها، فإن الله ركب في طباع البشر من الشهوة والالتذاذ بالمطعم والمشرب والميل إلى ذلك والتألم بفقده ما لم يكن من صفات الملائكة، أما إن أراد بالملكية التملك وأن النفس تتهيأ لأن تملك شيئا من أمر الكون لو تدبره أو تتصرف فيه تصرف المالك فهذا أيضا لا يصح، فالنفس البشرية وسائر النفوس المخلوقة ليس لها من الأمر شيء، ولا تقدر على التصرف المستقل ولا الملكية التامة النافذة، بل إن المخلوق نفسه مملوك لربه، ولو ملك الدنيا بأسرها فملكه مؤقت وناقص، وهو وما بيده ملك لربه، فكيف يقال: إن انقطاع الصوفي ينيله القصد ويهيئ نفسه للملكية.


(١) سورة المزمل الآية ٢٠
(٢) سورة الفرقان الآية ٢٠