للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحصن المنيع والدرع الواقي والسياج الذي يحفظ المجتمع الإسلامي من الانهيار هو الحدود.

شرعت الحدود في الإسلام لتبقى إلى الأبد حافظة للتوازن بين المجموع، زائدة عن التحديات والتعديات الآثمة والنزوات الطائشة والفلتات التي تصدر عن المعتدين.

رتب الإسلام الحدود عقوبات زاجرة تجابه بعض المعاصي الموبقة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطط لأسس الإصلاح في المجتمع الإسلامي في حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها» رواه الدارقطني وغيره. وإن لطغيان النفس إذ تنجرف مع تيار الهوى فظائع وجرائم، ولا يحد من سطوتها أو يكسر من حدتها أو يقلل من خطرها إلا إقامة الحدود المقدرة بنسبة ما تحدثه المعصية من خطر وضرر وما ينجم عنها من فساد وخراب، ولقد حفز الله سبحانه لإقامتها والأخذ بها على كل معصية بقوله تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (١).

و (حياة) كلمة شاملة: حياة في الأنفس بحيث ترتدع عن سفك الدم الحرام، وحياة في الأموال تمنع من السطو على حق الغير لئلا يؤخذ عنوة، وحياة في الأعراض تحول دون الجرأة على انتهاك العرض الحرام كما جاء في الحديث «إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم (٢)» الحديث. رواه مسلم، أي لا تنتهكوا السياج المنيع الذي وضع عليها، وقد توسعنا في تفسير مدلول لفظة (حياة) لأن معناها في الواقع لا يقتصر على الدم، فلكل من الدم والمال والعرض عقوبة يستوجبها من يجرؤ على الاستهتار والإقدام على انتهاك حرمتها.

أما تفسير الآية الكريمة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (٣) فقد جاء عن أبي العالية قوله: جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل. وكذلك روي عن مجاهد وسعيد بن جبير والحسن والربيع بن أنس وغيرهم. وفي


(١) سورة البقرة الآية ١٧٩
(٢) صحيح البخاري الأضاحي (٥٥٥٠)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٤٩)، سنن الدارمي المناسك (١٩١٦).
(٣) سورة البقرة الآية ١٧٩