للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجرم وجعل الناس فيها سواسية، تنزل بالأمير والمأمور وصاحب المقام المرموق أو من كان من الدهماء، كما جاء في الحديث «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها (١)».

فعقوبة الحرمان من حق الحياة قدرت بالاقتصاص من نفس الجاني، كما قال تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (٢) وكما جاء في الحديث «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة (٣)» رواه البخاري ومسلم. والمراد (بالثيب الزاني) من تزوج ووطأ في نكاح صحيح ثم زنا بعد ذلك فإنه يرجم، وإن لم يكن متزوجا في حالة الزنى لاتصافه بالإحصان.

والمراد بـ (النفس بالنفس) أي من قتل عمدا قتل قصاصا؛ بشرط التكافؤ فلا يقتل المسلم بالكافر ولا الحر بالعبد. وسيأتي تفسير ذلك. والتارك لدينه المفارق للجماعة وهو المرتد. وقال بعض المعلقين على الحديث - ورجح الحافظ في الفتح تبعا لغيره: أن ترك الجماعة صفة كاشفة أو مؤكدة لا مقيدة، ونقل عن ابن دقيق العيد أن المراد بها مخالفة الإجماع، وقد قال النووي في كلامه على هذا الحديث من شرح صحيح مسلم: وأما قوله صلى الله عليه وسلم «والتارك لدينه المفارق للجماعة (٤)» فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام، ففي هذه الصور الواردة في الحديث يكون القصاص بالقتل جزاء وفاقا؛ ذلك أن الزاني قد اجترأ على تلويث عرض أخيه المسلم وهدم نسبه، وأفسد عليه زوجه وقد لا يصلح أمرها بعد هذا الإفساد مع زوجها.

ومن قتل نفسا عمدا فقد حرمها حق الحياة واجترأ على هتك السياج المنيع الذي وضعه رب العزة تأمينا للناس من مخاوف السطو على أرواحهم.

وأما التارك لدينه المفارق للجماعة فلأنه اختار الضلالة بعد الهدى والعمى بعد البصيرة، وارتد على عقبه وكان قدوة سيئة في مجتمعه، فكان القصاص منه بالقتل درءا لمفسدته.


(١) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٧٥)، صحيح مسلم الحدود (١٦٨٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٣٠)، سنن النسائي قطع السارق (٤٨٩٨)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٧٣)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٤٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٦٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٠٢).
(٢) سورة المائدة الآية ٤٥
(٣) صحيح البخاري الديات (٦٨٧٨)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٦)، سنن الترمذي الديات (١٤٠٢)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٦)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٥٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٨١)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٨).
(٤) صحيح البخاري الديات (٦٨٧٨)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٦)، سنن الترمذي الديات (١٤٠٢)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٦)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٥٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٤٤)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٨).