للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم هناك أمل للقاتل المتعمد في جريمته يدرأ عنه القصاص وهو عفو ولي الدم أو أخذه الدية، ونص العلماء على أن الولي بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية، رضي القاتل أو لم يرض، وهذا رأي الشافعي وأحمد ومالك في رواية أشهب رحمهم الله، وقال مالك في رواية ابن القاسم عنه: ليس للولي إلا أن يقتص أو يعفو من غير دية إلا أن يرضى بإعطاء الدية القاتل. وعند الحنفية للولي القصاص أو الصلح على مال أو العفو. وأولياء الدم الذين لهم حق القصاص أو حق إسقاطه بالعفو هم العصبة عند مالك، وعند غيره كل من يرث، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (١) {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٢) فأوضحت الآية الكريمة التماثل في القصاص بقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، ونقل ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية رأي الجمهور وأنه قال: لا يقتل الحر بالعبد لأن العبد سلعة لو قتل لم يجب فيه، دية وإنما تجب فيه قيمته، ولأنه لا يقاد بطرفه ففي النفس بطريق الأولى، ثم قال ابن كثير: وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مسلم بكافر (٣)» ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا، وأما أبو حنيفة فذهب إلى أنه يقتل بعموم آية المائدة، ثم قال - أي ابن كثير في مسألة قتل الرجل بالمرأة -: قال الحسن وعطاء: لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية، وخالفهم الجمهور لآية المائدة، ولقوله عليه السلام: «المسلمون تتكافأ دماؤهم (٤)». وقال الليث: إذا قتل الرجل امرأته لا يقتل بها خاصة، ثم قال - أي ابن كثير رحمه الله: ومذهب الأئمة الأربعة والجمهور أن الجماعة يقتلون بالواحد، قال عمر في غلام قتله سبعة فقتلهم: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم) ولا يعرف له في زمانه مخالف من الصحابة. وذلك كالإجماع. وحكى عن


(١) سورة البقرة الآية ١٧٨
(٢) سورة البقرة الآية ١٧٩
(٣) صحيح البخاري الجهاد والسير (٣٠٤٧)، سنن النسائي القسامة (٤٧٤٤)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٥٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٧٩)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٦).
(٤) سنن أبو داود الجهاد (٢٧٥١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٨٥)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢١٥).