الحصن المنيع الذي يمنع من تحدثه نفسه بانتهاكه السياج الذي يقي المجموعة الإسلامية من السطو والجرأة على حرمان المسلم من حق الحياة أو الاستهتار بقتله أو حرمانه من حقه المشروع كسرقة ماله أو السطو على عرضه، ونعني بالعرض إفساد الزوجة على زوجها أو إحدى المحارم بالاتصال بها جنسيا، أو بالمحاربة والإفساد في الأرض.
وتعتبر إقامتها والأخذ بها شريعة مفروضة شرعها الإسلام لا يصح الإخلال بها أو التهاون في إقامتها أو التسامح وعدم العدل في إنزالها بالناس على حد سواء، بحيث تنزل بالأمير والصعلوك والرجل والأنثى والحر والعبد والشريف الحسيب ومن كان من الدهماء، وفي الإعراض عن إقامتها فساد في الأرض وجناية على المجتمع وسلب للأمن الذي هو من قوام الحضارة الإنسانية.
وأبرز الأدلة على سعادة المجتمع الذي يأخذ بها ويقيمها ويتعارف على مراعاة العدل في إقامتها أبرز الأدلة أن الأمة الإسلامية في عصورها المتألقة وقرونها المفضلة عاشت دهرها آمنة في سربها سعيدة بتماسكها وتضامنها وأخذها على يد الظالم منها، ونبذها لكل ما يناهز شريعتها أو يفسد الأخلاق فيها أو يكون أسوة سيئة في مجتمعها، شعارها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما شفع حبه أسامة بن زيد رضي الله عنه في المخزومية التي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها لسرقتها: «أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها (١)».
أما لو انعكس الوضع وقامت للمجاملات والمحسوبيات والصداقات أو أية صلة من الصلات - قام لها - منار بين المسلمين، وأخذت ذلك بعين الاعتبار لانهار البنيان واهتزت الروابط وضعفت الغيرة على الإسلام؛ حتى لو انتقص من أطرافه أو نال منه خصومه لما سمعت نأمة ولا رأيت انتفاضة، وذلك مع الأسف واقع المسلمين وأكثرهم في الحاضر، وما ذاك إلا لتخلي المسلمين عن مقومات دينهم والوسيلة الوحيدة لعزتهم والمكانة اللائقة بهم، كأمة من حقها أن تسود الدنيا كما ساد سلفها، وأن تحمل مشعل الهداية إلى العالم كما حمله الأولون من خيارها، ومن البدهي إذن أن لا يعير المسلمون في أعقاب الزمن حملات أعداء الإسلام المسعورة - أعداء
(١) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٧٥)، صحيح مسلم الحدود (١٦٨٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٣٠)، سنن النسائي قطع السارق (٤٩٠٢)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٧٣)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٤٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٦٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٠٢).