للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدجال ليس له حقيقة (١) واعتمد هذا الفريق على أدلة منها ما هو عقلي، ومنها ما هو شرعي.

فأما الدليل العقلي - وهو الذي اعتمده البخاري المعتزلي، وموافقوه - قولهم: إن كان ما مع الدجال حقيقة فيشتبه خارق الدجال مع معجزات النبي، ويدل على صحة دعواه، ولم يوثق بمعجزات الأنبياء؛ إذ تشتبه حينها مع خارق المدعي الكذاب.

وهذا غلط؛ لأن الدجال لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له، وإنما يدعي الإلهية، وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله، ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه، وهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة، أو خوفا وتقية من أذاه؛ لأن فتنته عظيمة تدهش العقول، وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنقص، فيصدقه من صدقه في هذه الحالة.

ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته، ونبهوا على نقصه، ودلائل إبطاله.

وأما أهل التوفيق فلا يغترون به، ولا يخدعون بما معه لما


(١) النهاية في الفتن (١/ ٨٣).