للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما حكم أكله فقد أجمع (١) العلماء على جواز أكله في الجملة بدليل الحديث السابق قريبا: «أحلت لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالحوت والجراد (٢)» وحديث عبد الله بن أبي أوفى (٣) قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد (٤)» لكن قال الجمهور: يحل؛ سواء مات باصطياد أو بذكاة أو مات حتف أنفه. وقال مالك (٥) - في المشهور عنه - وأحمد في رواية (٦): لا يحل إلا إذا مات بسبب بأن يقطع بعضه أو يسلق أو يلقى في النار حيا. فإن مات حتف أنفه لم يحل.

احتج الجمهور بالحديث السابق: «أحلت لنا ميتتان (٧)» وقد يعترض عليه بأن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضعيف والصحيح أنه من قول ابن عمر (٨) فلا يصح الاستدلال به على حل ميتة الجراد، ويجاب عن ذلك: بأن الرواية الموقوفة على ابن عمر والتي صححها بعض الحفاظ (٩) تكفي في الدلالة على المطلوب؛ لأنها في حكم المرفوع؛ لأن قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو أحل لنا كذا أو حرم علينا كذا كله في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو بمنزلة قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو أحل لنا كذا أو حرم علينا كذا، وهي قاعدة معروفة.

واحتج مالك بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (١٠) فإنه يدخل في عمومه ميتة الجراد فتكون محرمة - والراجح: ما ذهب إليه الجمهور - ويجاب عما استدل به مالك من عموم الآيات بأنها عامة مخصوصة بالحديث المذكور والله أعلم.


(١) فتح الباري، وشرح النووي على صحيح مسلم ص١٠٣ ج١٣، والمغني مع الشرح ص٤١ ج١١.
(٢) سنن ابن ماجه الأطعمة (٣٣١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٧).
(٣) هو الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، شهد بيعة الرضوان وما بعدها، وتوفي بالكوفة سنة ٨٦ هـ.
(٤) رواه الجماعة إلا ابن ماجه / المنتقى مع شرحه ص١٥٢ ج٨.
(٥) بداية المجتهد ص ٣٢٥ ج١.
(٦) المغني مع الشرح ص٤١ ج١١.
(٧) سنن ابن ماجه الأطعمة (٣٣١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٧).
(٨) انظر نيل الأوطار ص١٥٣ ج٨.
(٩) انظر نيل الأوطار ص١٥٣ ج٨، والمجموع للنووي ص٢٤ ج٩.
(١٠) سورة المائدة الآية ٣