للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الجاهلية لا تعتقد ميتة إلا ما مات بالوجع ونحوه دون سبب يعرف، فأما هذه الأسباب فكانت عندها كالذكاة (١) التي ذكرها الله تعالى في الآية واحتجوا بأمرين:

الأول: أنه قد ذكر في الآية أشياء لا ذكاة لها وهي الميتة والخنزير " قالوا وإنما معنى الآية: حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما سمينا مع ذلك، لكن ما ذكيتم مما أحله الله لكم بالتذكية فإنه لكم حلال " (٢) فتكون (إلا) بمعنى (لكن) " أي حرمت عليكم هذه الأشياء لكن ما ذكيتم فهو الذي يحل ولا يحرم " (٣).

الثاني: " أن التحريم لم يتعلق بأعيان هذه الأصناف وهي حية وإنما تعلق بها بعد الموت وإذا كان كذلك فالاستثناء منقطع وذلك أن معنى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (٤) إنما هو لحم الميتة وكذلك لحم الموقوذة والمتردية والنطيحة وسائرها. أي لحم الميتة بهذه الأسباب. . . فلما علم أن المقصود لم يكن تعليق التحريم بأعيان هذه وهي حية وإنما علق بها بعد الموت؛ لأن لحم الحيوان محرم في حال الحياة بدليل اشتراط الذكاة فيها، وبدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت (٥)» وجب أن يكون قوله: {إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} (٦) استثناء منقطعا " (٧) ويكون المراد بالمنخنقة وما ذكر معها على هذا ما مات بالإصابة أو بلغ حالة يغلب على الظن أنه لا يعيش معها. فلا يعمل فيها الاستثناء. ويكون فائدة ذكر هذه الأشياء بعد الميتة الرد على أهل الجاهلية الذين لا يعدون الميتة من الحيوان إلا ما مات من علة عارضة به غير الانخناق والتردي والانتطاح وفرس السبع، فأعلمهم الله أن حكم ذلك حكم ما مات من العلل العارضة (٨).


(١) نقلت تفسير هذه المذكورات وما يتعلق به من تفسير القرطبي ص٤٨ - ٤٩ ج٦ باختصار وتصرف.
(٢) تفسير ابن جرير ص٥٠٥ ج٩.
(٣) فتح القدير للشوكاني ص٩ ج٢.
(٤) سورة المائدة الآية ٣
(٥) أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له / بلوغ المرام من أدلة الأحكام ص٤.
(٦) سورة المائدة الآية ٣
(٧) تفسير ابن جرير ص٥٠٥ ج٩.
(٨) تفسير ابن جرير ص٥٠٧ ج٩.