للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من هو بالمؤمنين رءوف رحيم، والمبعوث برسالة الرحمة لسائر الخلق أجمعين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (١) وبعد:

فإن الرحمة سمة بارزة من سمات التشريع الإسلامي الخالد، فما من حكم تشريعي، من تحليل أو تحريم، ترغيب أو ترهيب، ثواب أو عقاب إلا وفيه مصلحتنا دينيا ودنيويا، في معاشنا ومعادنا، وفيه يسر لا عسر {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (٢) وفيه رفع للحرج ودفع للمشقة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٣).

وما ذاك كله إلا لأن التشريع الإسلامي سماوي لا وضعي، إلهي لا بشري فليس فيه سمات التشريعات الوضعية، من تفاوت واختلاف وتناقض، فها هي تشريعات البشر وقوانينه مختلفة ومتفاوتة تبعا للعقول المقننة لها والتي تخضع في تقنينها لمقتضيات البيئة أحيانا والتأثر بالظروف أحيانا أخرى وتتناقض في كثير من الأحيان، فما هو مباح اليوم كان محظورا بالأمس، وما هو محظور اليوم قد يكون مباحا غدا أو بعد غد.

أما التشريع الإسلامي السماوي ففيه سمة الثبات فلا يعتوره ما يعتور قوانين البشر، لأن أحكامه قد روعي فيها مصالح الخلق منذ خلق الله الخلق {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (٤).

فما من تشريع يشرع إلا وتجد الأمم تقول به الغد، وإن لم يكن فبعد الغد ولو إلى أمد، وتحريم الخمر خير شاهد على ما نقول.

نعم، إن تشريع الله في الخمر قد تراءت لسائر الخلق (حكمة تحريمه) لقد لمسوه لمس اليد فنادت الأمم بحظره ومنعه، ثم أباحته ليس لاقتناع عقلي بل في غيبة عقلية


(١) سورة الأنبياء الآية ١٠٧
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٥
(٣) سورة الحج الآية ٧٨
(٤) سورة الملك الآية ١٤