وهي وإن أباحته إلا أنها في صحوها ورشدها تقول بأضراره وخبائثه، إنه واقع يصرخ في وجوههم أن حكمة الله بالغة ونور الله ساطع، والله متم نوره.
ولكم يلمس البشر معالم الرحمة ومصالح العباد في التشريعات الإلهية وأخص بالذكر موضوع الخمر.
ومن أحسن ما سمعته أن في تحريم الخمر والعقاب عليه رحمتين، فحكم التحريم فيه رحمة، فإن ابتعد الشارب عن شربها فقد رحم عقله بل نفسه، لأن العقل ميزان الاتزان عند الإنسان، فإذا فقد وغشى عليه بغشاوة فقد أوقع الشارب نفسه في مواقع الهاوية، (فالرحمة في التحريم واضحة، والمصلحة في التحريم ظاهرة جلية).
أما الرحمة الثانية فيه ظاهرة للعيان إنها رحمة في العقاب حين يكون العقاب رادعا فيمنع استهتار الشارب وضرره على المجتمع بأسره، فإن الأضرار الواقعة والمتوقعة إذا ما نال صاحبها الجزاء انزجر وعند ذلك يكف أذاه ويؤخذ على يديه قبل أن يهلك ويهلك.
بعد كل هذا نستطيع أن نقول إن المصالح المتوخاة من تحريم الشرب عظيمة، والمصالح المتوخاة من العقاب الزاجر عميمة، والرحمة في هذا وذاك حاصلة.
أسأله تعالى أن يهدينا لأقوم سبيل وأن يلهمنا السداد والصواب في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
بعد كل ما ذكر لا يفوتني أن أنوه إلى أنني قد فكرت أن أقدم بحثا في مواضيع أخرى، ولكنني عدلت عن كل ذلك لأتطرق بهذا البحث إلى موضوع خطير جدا نظرا لابتلاء الناس به في زمننا الحاضر، وخير الموضوعات ما عالج داء وقدم له دواء وخيرها ما ربط بالواقع، وأعتقد أن هذا الموضوع من هذا القبيل والذي يحتاج إلى عناية ورعاية ليستخرج لنا من أقوال الأقدمين مادة علمية تعالج مشكلة استفحل أمرها في عصرنا الحاضر، نعم إنها قضية تهم الشباب المعاصر الذي تفتحت أعينه على عالم متهور في طعامه وشرابه فتناول ما حل له وما حرم عليه دون تمييز بين النافع والضار.
إنني سمعت الكثير، وكنت سأدون الكثير كذلك حول هذه القضية ولكن