اللغة هو أن الخمر تطلق على كل مسكر، وقد سبق ذكر بعض النقول عن أشهر أئمة اللغة الدالة على عدم صحة ما ادعوه، وأما اشتهار الخمر فيما اتخذ من العنب فلا يلزم منه أن غيره لا يسمى خمرا، قال الخطابي:" زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه ".
وأما قولهم إن تحريم الخمر قطعي، وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني، فأجيب عنه بأنه ثبت أن غير المتخذ من العنب من المسكرات خمر في اللغة وفي الشرع، وما دام ثبت ذلك فتحريم كل مسكر إذا قطعي.
وإذا سلمنا أن تحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني فلا يقوم على إثبات التفرقة لما تقرر من أن اختلاف مشتركين في الحكم لا يلزم منه افتراقهما في التسمية كالزنا مثلا فإنه يصدق على من وطئ أجنبية وعلى من وطئ امرأة جاره والثاني أغلظ من الأول وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة، وأيضا الأحكام الفرعية لا يشترط فيها الأدلة القطعية، فلا يلزم من القطع بتحريم المتخذ من العنب وعدم القطع بتحريم المتخذ من غيره أن لا يكون حراما، بل يحكم بتحريمه إذا ثبت بطريق ظني وكذا تسميته خمرا.
على أننا لو مشينا على هذه القاعدة التي ذكرها صاحب الهداية لأبطلنا كثيرا من أحكام الشريعة؛ حيث إن كثيرا من الواجبات والمحرمات ثبت بطريق ظني.
وأما قولهم إنما سمي خمرا لتخمره لا لمخامرة العقل فيعارضه ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال:" والخمر ما خامر العقل " فكيف يستجيز صاحب الهداية أن يقول: " لا لمخامرة العقل مع قول عمر رضي الله عنه بمحضر الصحابة: الخمر ما خامر العقل " ويحمل قول عمر على المجاز على ما ادعاه من اتفاق اللغة، وقد سبقت الإشارة إلى أن دعوى اتفاق أهل اللغة دعوى مردودة.