للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجيب عن استدلالهم بما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر أنه قال: " حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء " بأنه لا يدل على مدعاهم لما يلي:

١ - يجوز أن ابن عمر أراد تثبيت أن الخمر يطلق على ما لا يتخذ من العنب، وأنه اسم يعم كل شراب مسكر، لأن نزول آية التحريم صادف اتخاذ الخمر من غير عصير العنب، ومع ذلك فهم الصحابة من الأمر باجتنابها تحريم كل ما يسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب ومن غيره، وبادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، ولولا وضع الاسم للعموم لغة لما فعلوا ذلك، ولتوقفوا عن الإراقة حتى يستفصلوا، ومنه يظهر أن دلالته على العموم أظهر منها على الخصوص.

٢ - أن إطلاق ابن عمر على النيء من ماء العنب خمرا لا تمنع من تسمية غيره خمرا من سائر الأنبذة المسكرة بدليل الآثار المروية عن أنس ومنها ما رواه البخاري عنه قال: إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء خليط بر وتمر. . . إلخ. وبدليل خطبة عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملإ من كبار الصحابة وغيرهم حيث قال " إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل " ولم يعلم له مخالف من الصحابة وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن فكان كالإجماع فهم على العموم، قال ابن الجوزي في التحقيق: وقول ابن عمر حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء يعني به ماء العنب فإنه مشهور باسم الخمر، ولا يمنع هذا أن يسمى غيره خمرا.

٣ - يجوز أن ابن عمر أراد بقوله - وما بالمدينة منها شيء - أي وما بالمدينة من بعض أنواعها شيء، ولم يرد أن غيرها لا تسمى خمرا بدليل حديثه الآخر " نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة خمسة أشربة كلها تدعى الخمر وما فيها خمر العنب " وما رواه الإمام أحمد عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «من الحنطة ومن الشعير خمر، ومن التمر خمر ومن الزبيب خمر ومن العسل خمر (١)» وما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم «كل مسكر خمر (٢)» وعليه فقد أصبحت نسبة التفرقة إلى ابن عمر غير قائمة.

أما الإجماع اللغوي فالصواب خلاف ما ذكروه، فإن المعروف الثابت عند أهل


(١) مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١١٨).
(٢) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).