للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمر أن الخمر تطلق حقيقة على النيء من ماء العنب وغيره من الأشربة المسكرة بأن كل واحد له اسم مثل المثلث - الباذق - والمنصف - ونحوها، وإطلاق الخمر عليها عند إسكارها من باب المجاز وعليه تحمل الأحاديث، وأجاب الجمهور بأن الأصل المتبادر إلى الفهم فيها الحقيقة، ولا يعدل عنها إلا لقرينة صارفة ولا قرينة قائمة هنا. والقول بأن القرينة تخصيص الخمر بالنيء المسكر من عصير العنب لغة قول مردود؛ حيث إن النقل عن أهل اللغة قد اختلف كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فلم يصلح ما ذكر قرينة لصرف اللفظ عن المتبادر منه عند الإطلاق، والمتبادر أمارة الحقيقة، ولذلك لما نزل تحريم الخمر فهم الصحابة من الأمر باجتنابها تحريم كل مسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه، ولم يتوقفوا، ولم يستفصلوا، ولم يشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن، قال في فتح الباري: " أما دعوى بعضهم أن الخمر حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره فإن سلم في اللغة لزم من قال به جواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه؛ لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما كان يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازا. وإذا لم يجوزوا ذلك صح أن الكل خمر حقيقة، ولا انفكاك عن ذلك وعلى تقدير إرخاء العنان والتسليم أن الخمر حقيقة من ماء العنب خاصة فإنما ذلك من حيث الحقيقة اللغوية، فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقة لحديث «كل مسكر خمر (١)» فكل ما اشتد كان خمرا، وكل خمر يحرم قليله وكثيره، وهذا يخالف قولهم.

ثانيا: ناقش الحنفية الجمهور في حديث «كل مسكر خمر (٢)» بأنه لا يدل على العموم لعدم صحته، حيث طعن فيه يحيى بن معين، قال صاحب المبسوط ما رواه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال «كل مسكر خمر (٣)» لا يكاد يصح، فقد قال يحيى بن معين: ثلاث لا يصح فيهن حديث عن رسول الله وذكر في جملتها كل مسكر خمر.


(١) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).
(٢) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).
(٣) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).