وأجاب الجمهور: بعدم التسليم بطعن يحيى في الحديث كما ذكر الزيلعي في نصب الراية، ولنسمع ما قاله الزيلعي على قول صاحب الهداية وهذا الحديث طعن فيه يحيى بن معين حيث قال: وهذا الكلام لم أجده في شيء من كتب الحديث. وقال في فتح القدير بعد أن أورد الحديث " وأما ما يقال من أن ابن معين طعن في هذا الحديث فلم يوجد في شيء من كتب الحديث. وأجاب الجمهور أيضا: بأننا لو سلمنا طعن يحيى بن معين فيه لكان طعنه لا يؤثر فيه بعد أن رواه الثقة ".
ثالثا: ناقش الحنفية الجمهور فقالوا إن قوله عليه الصلاة والسلام «كل مسكر خمر (١)» لا يفيد المدعي به، فإن غاية ما يفيده أنها مثل الخمر في الحكم ويكون محمولا على التشبيه بحذف أداته - أي كل مسكر كالخمر، كقولنا زيد أسد أي كالأسد ومثله كثير في الاستعمالات اللغوية والعرفية، تقول السلطان فلان إذا كان فلان نافذ الكلمة عند السلطان ويعمل بكلامه.
وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الأصل عدم التقدير، ولا يلجأ إليه إلا إذا دعت الحاجة. فإن قيل الحاجة قائمة إلى التقدير لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الأسماء، قلنا بيان الأسماء من مقدمات الأحكام لمن لا يعلمها ولا سيما ليقطع تعلق القصد بها.
وناقش الحنفية الجمهور في استدلالهم بقول عمر إن إطلاق اسم الخمر على الأشربة المسكرة المتخذة من غير عصير العنب من قبيل مجاز التشبيه.
وأجاب الجمهور بأن الأصل المتبادر إلى الفهم منها الحقيقة، ولا يعدل عنها إلا لقرينة صارفة، ولا قرينة قائمة، ولأن تلك العبارات تأبى أن تكون تشبيها كقول عمر في خطبته " ونزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل ". فهل يمكن أن يقال نزل تحريم خمرة العنب وهي من خمسة أشياء. . . إلخ؟ أم يمكن أن يقال: نزل تحريم ما يشبه الخمر في الإسكار وهو من خمسة أشياء العنب والتمر؟ لأن هذا لا يقوله أحد يفهم العربية، وإن كان يجيز الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو ما لا يجيزه الحنفية.
(١) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).