للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعا: قال الطحاوي من الحنفية إن الأحاديث التي استدل بها الجمهور - سالفة الذكر - متعارضة، ووجه التعارض عنده أن حديث أبي هريرة نص على أن الخمر تتخذ من شيئين فقط بينما نص حديث عمر ومن خالفه على أنها تتخذ من غيرهما، وكذلك حديث ابن عمر لقد حرمت الخمرة وما بالمدينة منها شيء مع حديث أنس حيث ورد في بعض ألفاظه أن الخمر حرمت وشرابهم الفضيخ، وفي لفظ له " وإنا نعدهم يومئذ خمرا " وإليك ما قاله الطحاوي: " وقلما اختلف الصحابة في ذلك ووجدنا اتفاق الأئمة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلا وقذف بالزبد فهو خمر وإن مستحلة كافر دل على أنهم لم يعملوا بحديث أبي هريرة، إذ لو عملوا به لكفروا مستحل نبيذ الخمر، فثبت أنه لم يدخل في الخمر غير المتخذ من عصير العنب ".

وأجاب الجمهور: بأنه لا تعارض بين الأحاديث والآثار التي استدلوا بها وأن الجمع بينها ممكن، وذلك بحمل حديث أبي هريرة على الغالب، وخص ما يتخذ من العنب والتمر بالذكر لأن أكثر الخمر منهما، ولأن أغلى الخمر وأنفسه عند أهله ما صنع منهما، وهذا نحو قولهم: المال الإبل، أي أكثره وأنفسه، والحج عرفة، ونحو ذلك، وليس فيه نفي الخمرية عن ما سوى المتخذ منهما، بدليل الأحاديث الصحيحة الدالة على اتخاذ الخمر من غيرها، كحديث ابن عمر عند أحمد، وحديث النعمان بن بشير، وغاية ما هناك أن مفهوم الخمر المدلول عليه باللام معارض بالمنطوقات وهي أرجح بلا خلاف.

ويحمل حديث ابن عمر عند البخاري وحديث النعمان بن بشير ومن وافقهما على إرادة استيعاب ذكر ما عهد حينئذ أنه يتخذ من الخمر.

أما قول ابن عمر: ما بالمدينة منها شيء فيحمل على إرادة تثبيت أن الخمر يطلق على ما لا يتخذ من غير العنب. أو يحمل على إرادة المبالغة، فأطلق نفي وجود ما بالمدينة وإن كانت موجودة بقلة، فإن تلك القلة بالنسبة لكثرة المتخذ مما عداها كالعدم.

ولا يلزم من كونهم لم يكفروا مستحل النبيذ أن يمنعوا تسميته خمرا فقد يشترك الشيئان في التسمية ويفترقان في بعض الأوصاف مع أنه هو يوافق على أن حكم المسكر من نبيذ التمر حكم قليل العنب في التحريم.