وموافقته في كراهة ما كرهه، وبذل الجهد في تركه. وهذا إنما يكون للنفس المطمئنة لا للأمارة ولا للوامة، فهذا كمال من جهة الإرادة والعمل.
وأما من جهة العلم والمعرفة فأن تكون بصيرته منفتحة في معرفة الأسماء والصفات والأفعال، له شهود خاص فيها مطابق لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا مخالف له، فإنه بحسب مخالفته له في ذلك يقع الانحراف، ويكون ذلك قائما بأحكام العبودية الخاصة التي تقتضيها كل صفة بخصوصها، وهذا سلوك الأكياس الذين هم خلاصة العالم، والسالكون على هذا الدرب أفراد من العالم، وهذا الدرب طريق آمن أكثر السالكين في غفلة عنه، وهو أيضا طريق سهل قريب موصل، ولكنه يستدعي رسوخا في العلم ومعرفة تامة به وإقداما على رد الباطل المخالف له ولو قاله من قاله. وليس عند أكثر الناس سوى رسوم تلقوها عن قوم معظمين عندهم، ثم لإحسان ظنهم بهم قد وقفوا عند أقوالهم ولم يتجاوزوها فصارت حجابا لهم وأي حجاب.
فمن فتح الله عليه بصيرة قلبه وإيمانه حتى خرقها وجاوزها إلى مقتضى الوحي والفطرة والعقل فقد أوتي خيرا كثيرا، ولا يخاف عليه إلا من ضعف همته. فإذا انضاف إلى ذلك الفتح همة عالية فذاك السابق حقا، واحد الناس في زمانه، لا يلحق شأوه ولا يشق غباره، فشتان ما بين من يتلقى أحواله ووارداته عن الأسماء والصفات وبين من يتلقاها عن الأوضاع الاصطلاحية والرسوم أو عن مجرد ذوقه