للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- فاجتنبوه - ولم يقل حرمته فاتركوه - وقال: فهل أنتم منتهون، ولم يقل فانتهوا.

والجواب على هذه الشبهة سبق في بيان وجه دلالة آيتي المائدة على التحريم ما يدحض هذه الشبهة بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة التي لا تدع سبيلا للشك في تحريمها.

والشبهة الثانية:

قال الإمام الرازي: زعم بعض الجهال أنه تعالى لما بين في الخمر أنها محرمة عندما تكون موقعة في العداوة والبغضاء وصادة عن ذكر الله وعن الصلاة بين بقوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا} (١) الآية. أنه لا جناح على من طعمها إذا لم يحصل معه شيء من تلك المفاسد، بل حصل معه أنواع المصالح من الطاعة والتقوى والإحسان إلى الخلق، قالوا: ولا يمكن حمله على أحوال من شرب الخمر قبل نزول آية التحريم؛ لأنه لو كان المراد ذلك لقال: وما كان جناح على الذين طعموا كما ذكر مثل ذلك في آية تحويل القبلة {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (٢). . . ولكنه لم يقل ذلك بل قال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} (٣) إلى قوله: {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} (٤) ولا شك أن "إذا" للمستقبل لا للماضي.

والجواب أن هذا القول مردود بإجماع الأمة الإسلامية بما فيها من المذاهب المتعددة على تحريم الخمر قليلها وكثيرها.

ثم هل في المعقول أن يحرم الله الخمر ذلك التحريم الشديد، ورسول الله يلعن ساقيها وشاربها ويحرم بيعها وشراءها ويحكم بنفي الإيمان عن شاربها، ثم يقول القائلون: لا بأس بشربها لمن آمن وعمل صالحا، ولو كان القليل مباحا لوجد من الصحابة الذين كانوا منهمكين بشربها قبل تحريمها من يعود لشربها؛ لأنه واثق من إيمانه وعمله الصالح ولاشتهر في الدين الإسلامي أن تحريمها مقيد بذلك، ولو كان كذلك لما أمر رسول الله بإقامة الحد على شاربها، ولهذا لما شربها قدامة بن مظعون في خلافة عمر متأولا الآية


(١) سورة المائدة الآية ٩٣
(٢) سورة البقرة الآية ١٤٣
(٣) سورة المائدة الآية ٩٣
(٤) سورة المائدة الآية ٩٣