السالفة بين له عمر خطأه وجلده، وقد ذكر المفسرون أن سبب نزول آية {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}(١) أن بعض الصحابة استشكلوا عند نزول هذا التشديد في الخمر والميسر حال من مات من المؤمنين الذين كانوا يشربون الخمر ويلعبون الميسر ولا سيما من حضر منهم غزوتي بدر وأحد كحمزة بن عبد المطلب، وأن في هذه الآية جوابا لهم. فنرى من هذا أن الآية نزلت في قوم شربوها قبل التحريم لا فيما بعد التحريم، وكل ما في الآية أن الشاربين للخمرة قبل تحريمها غير مؤاخذين إذا كانوا مؤمنين بما أمر الله متقين ما حرم الله ومحسنين في أعمالهم، وقولهم إن كلمة إذا للمستقبل لا للماضي فلا اعتراض عليه إلا أنه لا يفيدهم، لما روى أبو بكر الأصم أنه لما نزل تحريم الخمر قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا وفعلوا القمار وكيف بالغائبين عنا في البلدان لا يقرءون أن الله حرم الخمر وهم يطعمونها؟ فأنزل الله هذه الآية، وعلى هذا التقدير فالحل قد ثبت في الزمان المستقبل عن وقت نزول هذه الآية، لكن في حق الغائبين الذين لم يبلغهم هذا النص.
الشبهة الثالثة:
قول بعضهم: إن دين الله في حقيقته وجوهره الحكمة منه واحدة، ولا خلاف فيه بين الرسل المبلغين له، وإذا كانت الخمرة مضرة بالصحة والعقل والمال ضررا بينا حتى كان سببا للقطع بتحريمها كما تقولون؛ إذا كان الواجب أن تأتي الشرائع السالفة بتحريمها؛ لأن مثل هذا لا يختلف باختلاف الزمان والمكان والشعوب والأجيال حتى يقال: لم تحرم على تلك الأمم وحرمت علينا لذلك الاختلاف المذكور. والحال أن المنقول عن أهل الكتاب أنها لم تكن محرمة عليهم وأن الأنبياء أنفسهم كانوا يشربونها.
والجواب عن هذه الشبهة من وجهتين:
أولا: أن نقل أهل الكتاب ليس حجة عندنا، ولم يثبت عندنا في كتاب ولا سنة ما ذكروه. وإذا كان قد وجد في المسلمين من زعم أن شرب ما دون القدر المسكر من الخمور كلها حلال إلا ما اتخذ من عصير العنب وهو أقلها ضررا