وشرا مع نقل القرآن بالتواتر وحفظ السنة وسيرة أهل الصدر الأول بضبط وإتقان لم يتفق مثله لأمة من الأمم في نقل دينها أو تاريخها وهما صريحان في تحريم كل مسكر وفي تسميته خمرا، فهل يبعد أن يدعي أهل الكتاب مثل هذه الدعوى وينسبونها إلى أنبيائهم وهم لا يقولون بعصمتهم. لا يبعد عنهم ذلك فقد نسبوا إلى لوط ليس شرب الخمر فحسب بل الزنى بابنتيه لعنهم الله.
ثانيا: أننا إذا سلمنا بما نقلوه في العهدين القديم والجديد من الأخبار الدالة على حل الخمر وعدم التشديد إلا في السكر نقول:
(١) إن هذا التحريم من إكمال الدين بالإسلام وقد مهد الأنبياء له من قبل بتقبيح السكر وذمه ولم يشددوا في سد ذريعته بالنهي عن التعليل من الخمر كما كان من افتتان البشر بشربها ومنافعهم منها كما فعل الإسلام في أول عهده.
(٢) أن الله تعالى ما حرم الخمر البتة فيما أكمل به الإسلام إلا وهو يعلم أن البشر سيدخلون في طور جديد تتضاعف فيه مفاسد السكر، وأن مصلحتهم وخيرهم أن يتسلح المؤمنون بأقوى السلاح الأدبي لاتقاء شرور ما يستحدث من أنواع الخمور الشديدة الفتك بالأجساد والأرواح التي لم يكن يوجد منها شيء في عصور أولئك الأنبياء عليهم السلام، وما ذاك إلا لسد ذريعة هذه المفسدة بتحريم قليل الخمر وكثيرها.