للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسلام بمكة، فلما هاجر إلى المدينة بدأ الحق سبحانه بالتنفير منها عن طريق المقارنة بين شيئين: شيء فيها نفع ضئيل وشيء فيه ضرر جسيم. وقد أدرك بعض الصحابة شيئا من ضررها، فكانوا يتوقعون تحريمها، فكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فنزل سبحانه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (١) فتركها قوم لقوله: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} (٢) وشربها قوم لقوله {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (٣) ثم إن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما ودعا إليه ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمهم وسقاهم الخمر وحضرت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (٤) أعبد ما تعبدون. بحذف لا، فكانت هذه الحادثة تمهيدا لتحريمها عليهم أوقات الصلاة ونزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (٥) فحرم الله السكر تحريما جزئيا في أوقات الصلاة، فلم يبق للمصر على شربها إلا الاغتباق بعد صلاة العشاء وضرره قليل، وكذا الصبوح من بعد صلاة الفجر لمن لا عمل له ولا يخشى أن يمتد سكره إلى وقت الظهر، ثم تركهم - جلت حكمته - على هذه الحال زمنا قوي فيه الدين ورسخ اليقين وكثرت الوقائع التي ظهر بها إثم الخمر، منها ما روي أن عتبان بن مالك صنع طعاما ودعا إليه رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وتناشدوا الأشعار، فأنشد بعضهم قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحي بعير فضرب به رأس سعد فشجه فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري، فأنزل الله قوله سبحانه {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (٦) إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٧) فقال عمر: انتهينا ربنا انتهينا، فطلب الكثيرون من الصحابة تحريمها، فأجابهم الله وحرمها تحريما كليا في جميع الأوقات.


(١) سورة البقرة الآية ٢١٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢١٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢١٩
(٤) سورة الكافرون الآية ١
(٥) سورة النساء الآية ٤٣
(٦) سورة المائدة الآية ٩٠
(٧) سورة المائدة الآية ٩١