وفي تحريم الخمر بهذا الترتيب حكمة بليغة، وذلك أن القوم ألفوا شرب الخمر وأصبحت جزءا من حياتهم، فلو حرمت عليهم دفعة واحدة لشق ذلك على نفوسهم، فإنه من الصعب جدا أن يتركوا شرابا طالما عاقروه وشبوا عليه وشابوا، فلو أمروا بترك الخمر أول مرة لكان ذلك صادا للكثير من المدمنين عليها عن الإسلام، بل عن النظر الصحيح المؤدي إلى الاهتداء به، ولذلك روي أن الأعشى لما توجه إلى المدينة ليسلم لقيه بعض المشركين في الطريق فقالوا له: أين تذهب؟ فأخبرهم بأنه يريد محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا تصل إليه فإنه يأمرك بالصلاة، فقال: إن خدمة الرب واجبة. فقالوا: إنه يأمرك بإعطاء المال إلى الفقراء، فقال: اصطناع المعروف واجب، فقيل له: إنه ينهى عن الزنا، فقال: هو فحش وقبيح في العقل وقد صرت شيخا فلا أحتاج إليه، فقيل له: إنه ينهي عن شرب الخمر، فقال: أما هذا فإني لا أصبر عليه فرجع وقال: أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه. فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات.