أيها المسلم، إن أصحابه الكرام قد أظهروا من كمال محبتهم له وحرصهم على سنته ما لا يخفى، أظهروا من محبتهم له وشفقتهم عليه وحرصهم على الاقتداء به ما جعلهم خير الخلق وأفضل الخلق على الإطلاق بعد الأنبياء عليهم السلام، فاسمع – أخي – إلى أنواع من محبتهم له تدل على قوة الإيمان به، ومحبتهم له، رضي الله عنهم وأرضاهم.
يوم أراد المهاجرة من مكة إلى المدينة أتى الصديق في الظهيرة، «فلما قيل للصديق: هذا رسول الله، قال: بأبي وأمي، ما أتي به إلا لأمر جلل، فلما دخل عليه قال: «أذن لي بالهجرة»، فقال الصديق: الصحبة يا رسول الله؟ فقال:«نعم»، قالوا: فبكى الصديق رضي الله عنه فرحا، تقول عائشة: وما كنت أظن الفرح يوجب البكاء بعد الذي رأيت من أبي رضي الله عنه وأرضاه».
ومن ذلكم أن الصديق رضي الله عنه لما فطن لخطبة خطبها النبي أنها توديع لهم وإخبار بقرب أجله بكى الصديق رضي الله عنه، فخطب في آخر حياته قائلا: «إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده (١)»، فبكى الصديق رضي الله عنه، قالوا: إن المخير هو رسول الله، وإن الصديق كان أعلمنا بذلك، رضي الله عنه وأرضاه.
ولما خطب بعد موت النبي بسنة، وأراد أن يقول: إن رسول الله
(١) صحيح البخاري الصلاة (٤٦٦)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٣٨٢)، سنن الترمذي المناقب (٣٦٦٠)، مسند أحمد (٣/ ١٨)، سنن الدارمي المقدمة (٧٧).