للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فطر عليها عباده، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (١) أي نفس خلق الله لا تبديل له فلا يخلق الخلق إلا على الفطرة كما أن خلقه للأعضاء على السلامة من الشق والقطع لا تبديل لنفس هذا الخلق ولكن يقع التغيير في المخلوق بعد خلقه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها (٢)» فالقلوب مفطورة على حب إلهها وفاطرها وتأليهه، فصرف ذلك التأله والمحبة إلى غيره تغيير للفطرة ولما تغيرت فطر الناس بعث الله الرسل بصلاحها وردها إلى حالتها التي خلقت عليها، فمن استجاب لهم رجع إلى أصل الفطرة، ومن لم يستجب لهم استمر على تغيير الفطرة وفسادها " (٣)

وفي كلامهما رحمهما الله بيان أمرين: الأول أن التأله فطري غريزي، والثاني أن الله فطرهم على التأله له وحده سبحانه، وقدر سبحانه أنهم قد تتغير فطرتهم في التأله لله ولكن لا تتغير فطرتهم في لزوم التأله، فإذا غيروا ما فطروا عليه من التأله لله تألهوا لغيره ولا بد. وفي الحديث الذي أورده ابن القيم رحمه الله ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا بينا لفطرة الخلق على


(١) سورة الروم الآية ٣٠
(٢) متفق عليه، البخاري مع الفتح ٣/ ٢٤٥ رقم ١٣٨٥، ومسلم ٤/ ٢٠٤٧ رقم ٢٦٥٨.
(٣) إغاثة اللهفان ص ٦٥٩، وانظر الفتاوى ١٠/ ١٣٤ – ١٣٥.