للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس مما يعلن بوجوب دراسة التوحيد وإشاعة تعلمه وتعليمه للجهل الحاصل به، وهو الجهل الواقع في التوكل على الله الذي هو الاستعانة التي جعلها الله قسيمة التعبد في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (١) وكما يقول ابن القيم: " فإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده، بل حقيقة التوكل: توحيد القلب، فما دامت فيه علائق الشرك فتوكله معلول مدخول، وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل، فإن العبد متى التفت إلى غير الله أخذ الالتفات شعبة من شعب قلبه، فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة " (٢) وفي سلوك كثير من الناس جهل ظاهر بمقتضى توحيد الله في التوكل عليه سبحانه، فمن الناس من يتعلق قلبه بالأسباب، ويستفرغ لها توجهه، ويقيم عليها مقاصده، حتى إذا حصل على مطلوبه أحال ذلك إلى الأسباب، وإذا لم يحصل على المطلوب تسخط من قدر الله أو أحال ذلك إلى الحظ والبخت، وهو في هذا كله مبتدئه ومنتهاه غافل عن الله وقدرته سبحانه وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه وصدورها عن مشيئته وقدرته منصرف عن التعبد له والتوجه إليه سبحانه، فهذا متوكل على غير الله، ومن الناس من يتبع هواه وإخلاد نفسه إلى البطالة والكسل، ويجمع قلبه ويستفرغ توجهه إلى حصول مطلوبه بلا سعي ولا سبب فيفرط في أمر الله له بالسعي والأخذ بالأسباب ويجعل


(١) سورة الفاتحة الآية ٥
(٢) مدارج السالكين ٢/ ١٢٠.