للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأت به لا يكون مؤمنا، وهذا في الحقيقة لا يخرج عن مقالة الجهمية؛ لأنهم يتفقون على أن كفر من كانت هذه حاله راجع لزوال التصديق من قلبه.

وفي بطلان هذه الدعوى، وهي تعليق الكفر بزوال التصديق ينقل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله: «وهذا أمر خالفوا به الحس، والعقل، والشرع، وما أجمع عليه طوائف بني آدم السليمي الفطرة، وجماهير النظار».

فإن الإنسان قد يعرف أن الحق مع غيره، ومع ذلك يجحد ذلك؛ لحسده إياه، أو لطلب علوه عليه، أو لهوى النفس، ويحمله ذلك الهوى أن يعتدي عليه، ويرد ما يقول بكل طريق، وهو في قلبه يعلم أن الحق معه.

وعامة من كذب الرسل يعلم أن الحق معهم، وأنهم صادقون؛ لكن إما لحسدهم، وإما لإرادتهم العلو والرياسة، وإما لحبهم دينهم الذي كانوا عليه، وما يحصل لهم به من الأغراض، كأموال ورياسة وصداقة وغير ذلك، فيرون في اتباع الرسل ترك الأهواء المحبوبة إليهم، أو حصول أمور مكروهة إليهم، فيكذبونهم ويعادونهم، فيكونون من أكفر الناس، كإبليس وفرعون، مع علمهم بأنهم على الباطل، والرسل على الحق.

ولهذا لا يذكر الكفار حجة صحيحة تقدح في صدق الرسل، وإنما يعتمدون على مخالفة أهوائهم، كقولهم لنوح: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (١) ومعلوم أن اتباع الأرذلين لا يقدح في صدقه (٢)


(١) سورة الشعراء الآية ١١١
(٢) مصباح الظلام ٢١٢ - ٢١٣، وهو في الفتاوى ٧/ ١٩١.