للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام ابن القيم: (والسلف يذكرون هذين الأصلين كثيرا وهما الاقتصاد في الأعمال والاعتصام بالسنة، فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره فإن رأى فيه داعية للبدعة وإعراضا عن كمال الانقياد للسنة أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصا على السنة وشدة طلب لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاقتصاد فيها، قائلا له: إن هذا خير وطاعة والزيادة والاجتهاد فيها أكمل فلا تفتر مع أهل الفتور ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها فيخرج عن حدها، كما أن الأول خارج عن هذا الحد، فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر، وهذا حال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم وصيامهم مع صيامهم وقراءتهم مع قراءتهم، وكلا الأمرين خروج عن السنة إلى البدعة، لكن هذا إلى بدعة التفريط والإضاعة والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف.

وقال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان إما إلى تفريط وإما إلى مجاوزة وهي الإفراط، ولا يبالي بأيهما ظفر: زيادة أو نقصان، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «يا عبد الله بن عمرو إن لكل عامل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنة أفلح، ومن كانت فترته إلى بدعة خاب وخسر (١)» قال له ذلك حين أمره بالاقتصاد في العمل، فكل الخير في اجتهاد باقتصاد وإخلاص مقرون بالاتباع كما قال بعض الصحابة: (اقتصاد في سبيل


(١) رواه أحمد في كتاب المكثرين مسند عبد الله بن عمرو حديث ٦٦٦٤.