للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومشقته على نفوسهم، فصبر الملك على العدل مع قدرته على الظلم والانتقام من رعيته، وصبر الشاب على عبادة الله ومخالفة هواه، وصبر الرجل على ملازمة المسجد، وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة حتى عن شماله مع قدرته على الرياء، وصبر المدعو إلى الفاحشة مع جمال الداعي، وصبر المتحابين في الله في اجتماعهما وانفرادهما، وصبر الباكي من خشية الله على كتمان ذلك عن الناس، فهذه الأمور فيها مشقة على النفوس، فالصبر عليها بتوفيق الله وفضله وإحسانه صبر جميل عظيم.

ولما كان الداعي في حق - بعض - الناس ضعيفا، ولم يصبروا مع تمكنهم من الصبر كان عقوبتهم عند الله تعالى أشد من عقوبة غيرهم كالشيخ الزاني والملك الكذاب والفقير المختال، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: ملك كذاب، والعائل المستكبر، والشيخ الزاني (١)»

وإنما كانوا أشد عقوبة من غيرهم لسهولة التصبر عن هذه المحرمات عليهم ولضعف دواعيها في حقهم فكان تركهم الصبر عنها دليلا على تمردهم على الله تعالى وعتوهم عليه (٢)


(١) صحيح مسلم /كتاب الإيمان: باب غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية /١٥٦.
(٢) انظر: تسلية أهل المصائب / محمد المنبجي (بيروت: دار الكتب العلمية: ط١) ١٤٨ - ١٥٠.