للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر الحافظ في ثنايا ما يستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة «تحصل أعظم المصلحتين بترك أدناهما»، فقال: «في الحديث أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمهما» (١)

ووجه الدلالة لما ذكره الحافظ – رحمه الله – أن جريجا تعارض عنده أمران ومصلحتان هما: إجابته لأمه حين دعته، واستمراره في صلاته فكان عليه أن يجيب أمه ويقطع صلاته لا سيما وقد تكررت دعوتها له مرات وصلاته تطوع، ولكنه قدم المصلحة الأدنى وهي استمراره في صلاته وترك إجابة أمه، فلذلك ابتلي بأن الله سبحانه وتعالى أجاب دعاء أمه حين دعت عليه بأن لا يمت حتى يرى وجوه المومسات، ولكنه بصدق إيمانه وتقواه وإخلاصه جعل الله له مخرجا حيث أنطق هذا الصبي وهو في المهد بتكذيب المرأة البغي التي اتهمته بأنه زنا بها.

قال القرطبي (ت: ٦٥٦ هـ): قوله: «يا رب أمي وصلاتي (٢)» قول يدل على أن جريجا - رضي الله عنه - كان عابدا، ولم يكن عالما، إذ بأدنى فكرة يدرك أن صلاته كانت ندبا، وإجابة أمه كانت عليه واجبة، فلا تعارض يوجب عليه إشكالا، فكان يجب عليه تخفيف صلاته أو قطعها، وإجابة أمه،


(١) فتح الباري (٦/ ٤٨٣)، وينظر: شرح النووي على مسلم (١٦/ ١٠٨).
(٢) قوله: «يا رب أمي وصلاتي» هذا لفظ مسلم.