للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخشية من الفتنة، ونفور الناس بسبب قرب عهدهم بالشرك والكفر.

وقد توارد الأئمة على ذكر هذا الاستنباط من الحديث، فترجم عليه البخاري بقوله: «باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه» (١)

قال القاضي عياض: «في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا ترك بعض الأمور التي يستصوب عملها إذا خيف تولد ما هو أضر من تركه، واستلاف الناس على الإيمان» (٢)

وقال النووي: «في هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها: إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيما، فتركها - صلى الله عليه وسلم -» (٣)

وقد روي أن هارون الرشيد ذكر لمالك بن أنس أنه يريد هدم ما بناه الحجاج من الكعبة، وأن يرده إلى بنيان ابن الزبير فقال له: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين ألا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك، لا يشاء أحد


(١) البخاري مع الفتح (١/ ٢٢٤).
(٢) إكمال المعلم بفوائد مسلم (٤/ ٤٢٨).
(٣) شرح النووي على مسلم (٩/ ٨٩).