للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن عمرو بن لحي ذهب إلى البلقاء (١) فأتى تلك العين الحارة هناك يستشفي بها المرضى، فأتاها فاستحم بها، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو. فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها إلى مكة ونصبها حول الكعبة، ومن ذلك الحين فشت فيهم عبادة الأصنام، وتجاوزتهم إلى غيرهم من العرب.

والمقصود أنه فشا فيهم هذا الشرك والتعلق بغير الله حتى صار الأكثر منهم على الشرك فجعلوا عباداتهم لهذه الآلهة التي اتخذوها، وتقربهم إليها مع ما يتقربون به إلى الله، وصرفوا العبادات لها من الذبح والنذر والدعاء والتعظيم والتقرب بالسجود والركوع والحلف بها وغير ذلك، كل هذا مع إقرارهم بالخالق الرازق المحيي المميت النافع الضار (٢)، فأقروا بالربوبية وأشركوا في الألوهية بشبهة أنهم ليس لهم أهلية تامة أن يعبدوا الله وحده بلا واسطة وقد حكى الله عنهم ذلك، قال تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. فهم اتخذوا من دون الله أولياء يتولونهم بعباداتهم ودعائهم معتذرين عن


(١) البلقاء: هي إقليم في أرض الشام في الأردن، وتشمل عمّان وعدة مدن أخرى، انظر: معجم البلدان (١/ ٢٠٤).
(٢) العقائد السلفية، لأحمد بن حجر آل بو طامي، ص (١٤ – ١٥). ') ">