للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (١) (وقال {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (٢) (وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا (٣)» رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وثبت عنه أنه قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا (٤)». . . .) رواه البخاري والنسائي، ولا شك أن كتابة القرآن بحروف اللغة التي يتكلم بها الأعاجم فيه تيسير لتلاوة القرآن عليهم ورفع للحرج عنهم وتعميم للبلاغ وإقامة الحجة عليهم.

وليس ذلك بدعا، بل هو مناسب لمقاصد الشريعة وله نظائر، فقد جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه القرآن خشية ضياعه بموت القراء، وجمع عثمان رضي الله عنه الناس على حرف واحد من الحروف السبعة التي بها نزل القرآن، منعا للاختلاف، ونقط المصحف وشكل في عهد بني أمية حينما أسلم كثير من الأعاجم واختلطوا بمسلمي العرب فاستعجم كثير من ألسنة أبناء العرب وخيف عليهم اللحن في التلاوة، فمحافظة على القرآن وعليهم من اللحن فيه نقط القرآن وشكل، ولم يكن ذلك منكرا بل انتهى الأمر فيه إلى الإجماع، لما فيه من تحقيق مقاصد الشريعة والعمل بمقتضاها، فليس ببعيد في حكمة المشرع أن يرخص لغير العرب في كتابة القرآن بحروف لغتهم وكلماتها رحمة بهم.

إن القرآن لم ينزل مكتوبا بالعربية أو بغيرها حتى نلتزم الحروف التي نزل مكتوبا بها، وإنما نزل وحيا متلوا، فأملاه النبي صلى الله عليه وسلم على كتبته وكان أميا، فكتبوه بما كان معهودا لديهم من الحروف، ولم يكن هناك نص من الكتاب أو السنة يلزمهم بذلك، إنما هو واقع لغتهم الذي التزموا من أجله كتابة القرآن بحروف لسانهم مع اختلاف منهم في رسم بعض الحروف وإذا كان الأمر كذلك فلم لا يجوز أن يكتب المصحف بحروف غير عربية كاللاتينية، لوجود الداعي إلى ذلك مع عدم الضرر.

ونوقش ذلك بأمور:

الأول: أن تعلم الإنسان للغة غير لغته نطقا وقراءة وكتابة أمر عادي معهود عند الناس قد درجوا عليه قديما وحديثا؛ إشباعا لغريزة حب الاستطلاع ونهمة العلم، ورغبة


(١) سورة البقرة الآية ١٨٥
(٢) سورة النساء الآية ٢٨
(٣) صحيح البخاري العلم (٦٩)، صحيح مسلم الجهاد والسير (١٧٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٠٩).
(٤) صحيح البخاري الإيمان (٣٩)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٣٤).