للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في نيل الشهادات، وحرصا على تبادل المنافع وتعرف الصناعات إلى غير هذا من الدواعي التي تحفز الناس إلى تعلم غير لغتهم، فلا حرج على الأعاجم في أن يتعلموا اللغة العربية كتابة وقراءة، فإن ذلك في متناول الأيدي ومستوى الطاقة البشرية بل يجب على المسلمين أن يتعلموها ليقرءوا بها القرآن ويطلعوا على السنة النبوية ويأخذوا منها أحكام الإسلام، بل هذا أحق من تعلم الإنسان غير لغته لنيل شهادة أو تعلم طب أو صناعة أو ما شابه ذلك من الأغراض الدنيوية، ومن رجع إلى ماضي المسلمين وجد من أسلم من الأعاجم قد تعلموا اللغة العربية وأسهموا كثيرا في خدمة العلوم الدينية والعربية وألفوا فيها كثيرا باللغة العربية، فألفوا في تفسير القرآن وتدوين الحديث وشرحه، بل في علم البلاغة والنحو والصرف ومعاجم اللغة وفقهها.

الثاني: أن الحاجة إلى كتابة القرآن بالحروف اللاتينية ونحوها إذا ارتفعت، أمكن الأعاجم تعلم اللغة العربية وانتفى الحرج عنهم والمشقة بذلك فلا تكون كتابة القرآن بالحروف اللاتينية ونحوها من جنس جمع أبي بكر رضي الله عنه القرآن، ولا جمع عثمان رضي الله عنه المسلمين على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة التي بها نزل القرآن. فإن الحاجة إلى كتابته بغير اللغة العربية وذلك في متناول البشر، بخلاف ما قام به أبو بكر وعثمان رضي الله عنهما فإن الضرورة التي ألجأت كلا منهما إلى ما قام به لحفظ القرآن ومنع الاختلاف فيه لا تذهب إلا بما فعلاه، وكذا القول في نقط القرآن وشكله، فلم يكن هناك مناص من الجمع والنقط والشكل، لعدم وجود البديل عن ذلك.

الثالث: أنه كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يعرف غير اللسان العربي ويعرف الكتابة بغير اللغة العربية، والرسالة عامة للبشر عربهم وعجمهم، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم أن يكتب الوحي حين ينزل بلغة غير العربية ليسهل على من أسلم ومن سيسلم من الأعاجم قراءته ولا اتخذ كاتبا للوحي منهم، بل اتخذ من الكتاب من يكتبه باللغة العربية التي بها نزل، وسار الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على هذا النهج القويم فاختار من يكتبه باللغة العربية بل بلغة قريش ووافقه على ذلك الصحابة رضي الله عنهم فكانت كتابته باللغة العربية سنة متبعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (١)». .).


(١) سنن الترمذي العلم (٢٦٧٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٢٦)، سنن الدارمي المقدمة (٩٥).