للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا سيما مع ثبوت لبسه لذلك بعد حجة الوداع، ولم يلبث بعدها إلا أيامًا يسيرة.

ثم ذكر الشوكاني كلام ابن القيم الذي ذكرته في الهامش في تفسيره للحلة الحمراء بأنها التي فيها خطوط غير اللون الأحمر، ورد على ذلك كما تقدم والله أعلم.

ثم قال: وفيه دليل على كراهية ما فيه الخطوط، وتلك الحلة كذلك بتأويله ي تأويل ابن القيم (١)

وقال ابن حجر في فتح الباري بعد أن نقل الأقوال:

والتحقيق في هذا المقام: أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار؛ فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء كما سيأتي (٢)


(١) نيل الأوطار للشوكاني ٢/ ٩١. ') ">
(٢) جاء في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام - (ج ٣ / ص ٢٠٧): وَالْمَيَاثِرُ " جَمْعُ مِيثَرَةٍ - بِكَسْرِ الْمِيم - وَأَصْلُ اللَّفْظَةِ: مِنَ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوِثَارِ فَالْأَصْلُ: مِوْثَرَةٌ: قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا؛ فَصَارَ مِيْثَرَة. (قلت) قال في فتح الباري - ابن حجر - (ج ١٠ / ص ٣٠٧) (والميثرة: هي بكسر الميم، وسكون التحتانية، وفتح المثلثة بعدها راء، ثم هاء، ولا همز فيها، وأصلها من الوِثارة أو الوِثرة - بكسر الواو وسكون المثلثة - والوثير: هو الفراش الوطيء، وامرأة وثيرة كثيرة اللحم اهـ) وقد أخرج أحمد والنسائي وأصله عند أبي داود بسند صحيح عن علي قال (نُهي عن المياثر الأرجوان) هكذا عندهم بلفظ نُهِي على البناء للمجهول، وهو محمول على الرفع، وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن حبان من طريق هبيرة بن يريم - بتحتانية أوله، وزن عظيم - عن علي قال: (نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن خاتم الذهب وعن لبس القسي، والميثرة الحمراء) , قال أبو عبيد: المياثر الحمر، التي جاء النهي عنها؛ كانت من مراكب العجم من ديباج وحرير، وقال الطبري: هي وعاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير من الأرجوان، وحكى في (المشارق) قولا أنها سروج من ديباج، وقولا أنها أغشية للسروج من حرير، وقولا أنها تشبه المخدة تحشى بقطن أو ريش؛ يجعلها الراكب تحته، وهذا يوافق تفسير الطبري، والأقوال الثلاثة يحتمل ألاّ تكون متخالفة؛ بل الميثرة تطلق على كل منها، وتفسير أبي عبيد يحتمل الثاني والثالث، وعلى كل تقدير فالمِيثرة وإن كانت من حرير؛ فالنهي فيها كالنهي عن الجلوس على الحرير. . . ولكن تقييدها بالأحمر أخص من مطلق الحرير، فيمتنع إن كانت حريرًا، ويتأكد المنع إن كانت مع ذلك حمراء، وإن كانت من غير حرير، فالنهي فيها للزجر عن التشبه بالأعاجم. قال ابن بطال: كلام الطبري يقتضي التسوية في المنع من الركوب عليه سواء كانت من حرير أم من غيره، فكان النهي عنها إذا لم يكن من حرير للتشبه، أو للسرف، أو التزين، وبحسب ذلك تفصيل الكراهة بين التحريم والتنزيه. وأما تقييدها بالحمرة؛ فمن يحمل المطلق على المقيد - وهم الأكثر - يخص المنع بما كان أحمر. والأرجوان المذكور في الرواية التي أشرت إليها - بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو خفيفة - وحكى عياض ثم القرطبي فتح الهمزة، وأنكره النووي، وصوب أن الضم هو المعروف في كتب الحديث واللغة والغريب. واختلفوا في المراد به: فقيل هو صبغ أحمر شديد الحمرة، وهو نَوَرُ شجرٍ من أحسن الألوان، وقيل الصوف الأحمر، وقيل كل شيء أحمر فهو أرجوان، ويقال ثوب أرجوان، وقطيفة أرجوان. وحكى السيرافي: أحمر أرجوان فكأنه وصفٌ للمبالغة في الحمرة، كما يقال أبيض يقق (كذا في الكتاب وفي الوسيط: يلق: اليلق الأبيض من كل شيء، يقال: ابيض يَلَق) وأصفر فاقع، واختلفوا هل الكلمة عربية أو معربة، فإن قلنا باختصاص النهي بالأحمر من المياثر، فالمعنى في النهي عنها ما في غيرها كما تقدم في الباب قبله (وهو الذي نحن فيه من الثياب الحمر) وإن قلنا لا يختص بالأحمر؛ فالمعنى بالنهي عنها ما فيه من الترفه، وقد يعتادها الشخص فتعوزه فيشق عليه تركها فيكون النهيُ نهيَ إرشاد لمصلحة دنيوية، وإن قلنا النهي عنها من أجل التشبه بالأعاجم، فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة. اهـ.