للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل - بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا (١)».

والجنيب قيل هو الطيب، وقيل هو الذي أخرج من حشفه ورديئه، وقيل هو الذي لم يختلط بغيره (٢)، وعلى كل التفاسير فالمراد به الجيد من التمر، والجمع تمر رديء أو هو الخليط من أنواع مختلفة (٣).

قال الشوكاني في نيل الأوطار (٤): والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع رديء الجنس بجيده متفاضلا، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه، انتهى، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى الطريقة السليمة البعيدة عن الربا التي يسلكها من أراد أن يستبدل التمر الجيد بالتمر الرديء، وذلك بأن يبيع التمر الرديء بدراهم ويشتري بالدراهم تمرا جيدا، وهذه الطريقة تتبع في كل ربوي يراد استبداله بربوي أحسن منه؛ لأن الجودة في أحد الجنسين لا تبرر الزيادة إذا بيع أحدهما بالآخر والله أعلم.

إذا باع ربويا بثمن مؤجل فهل يجوز له أن يعتاض عن ذلك الثمن ربويا آخر؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (٥): (هذه فيها نزاع بين العلماء فمذهب الفقهاء السبعة ومالك وأحمد في المنصوص عليه (٦) أن ذلك لا يجوز، فمن باع مالا ربويا كالحنطة والشعير وغيرهما إلى أجل لم يجز أن يعتاض عن ثمنه بحنطة أو شعير أو غير ذلك مما لا يباع به نسيئة؛ لأن الثمن لم يقبض فكأنه قد باع حنطة أو شعيرا بحنطة أو شعير إلى أجل متفاضلا).

وهذا لا يجوز باتفاق المسلمين، وقال أبو حنيفة والشافعي: (هذا يجوز وهو اختيار أبي محمد المقدسي من أصحاب أحمد؛ لأن البائع إنما يستحق الثمن في ذمة المشتري وبه اشترى فأشبه ما لو قبضه ثم اشترى من غيره)، وقد علل الشيخ المنع بأن الثمن لم يقبض


(١) رواه البخاري / فتح الباري ٤/ ٣٩٩ - ١٤٠٠، ومسلم مع شرح النووي ١١/ ٢٤.
(٢) فتح الباري ٤/ ٤٠٠.
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم ١١/ ٢١.
(٤) نيل الأوطار ٥/ ٢٠٧.
(٥) مجموع الفتاوى ٢٩/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٦) انظر كشاف القناع على متن الإقناع ٣/ ١٥٠.