وحاصل الأمر أن العالم بالله أرجح من العالم بأمره (١) لكن الأكمل والأفضل من هذين الصنفين هم العلماء بالله وبأمره، الذين جمعوا بين العلم الباطن والظاهر، وهم أفضل من العباد، ولو كان العباد من العلماء بالله؛ لأن العلماء الربانيين شاركوا العباد في فضيلة العلم بالله، بل ربما زادوا عليهم فيه، وانفردوا بفضيلة العلم بأمر الله، وبفضيلة دعوة الخلق إلى الله، وهدايتهم إليه، وهو مقام الرسل عليهم السلام، وهذا القدر الذي انفردوا به عن العباد أفضل من القدر الذي انفرد به العباد من نوافل العبادة، فإن زيادة المعرفة بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم توجب زيادة المعرفة بالله والإيمان به، وجنس المعرفة بالله والإيمان به أفضل من جنس العمل بالجوارح والأركان، ولكن من لا علم له تعظم في نفسه العبادات على العلم؛ لأنه لا يتصور حقيقة العلم ولا شرفه، ولا قدرة له على ذلك، وهو يتصور حقيقة العبادات، وله قدرة على جنسها في الجملة، ولهذا تجد كثيرا ممن لا علم لديه يفضل الزهد في الدنيا على العلوم والمعارف، وسببه ما ذكرناه؛ وهو أنه لا يتصور معنى العلم
(١) ينظر: شرح حديث (من سلك طريقا) ضمن مجموع الرسائل ١/ ٤١. ') ">