ثالثا: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات. اهـ، هذا ما قررته الهيئة وهو قرار يتسم بالوضوح وسلامة المبنى، حيث بني على القول الراجح باعتبار العلة في النقدين الثمنية فيتعدى ذلك إلى كل ما جعل أثمانا، لكن لم يتضح لي وجه اعتبار النقود الورقية إذا اختلفت جهات إصدارها أجناسا مختلفة يجوز فيها التفاضل، والقرار لم يوضح وجه ذلك، ولئن كان اختلاف الجنس واضحا بين نقود الذهب والفضة ونقود الورق لاختلاف مادة كل منها عن الأخرى فليس ذلك واضحا في نقود الورق التي هي من مادة واحدة اختلف اسمها فقط واختلفت جهة إصدارها، ولم نر لاختلاف الاسم والجهة أثرا في نقود الذهب والفضة لما كانت مادتهما واحدة، كما أن القرار اعتبرها متقومة في مسألة الزكاة كالعروض، فلم يتحرر له رأي فيها.
وبعض الباحثين من علماء العصر (١) يميل إلى جواز ربا الفضل في الأوراق النقدية دون ربا النسيئة، وبرر ذلك بعدة أمور:
١ - أن تحريم ربا الفضل إنما كان لأجل أنه وسيلة إلى ربا النسيئة.
٢ - لأن بعض العلماء أجازه (أي ربا الفضل) وإن كان محجوجا بالأدلة الشرعية.
٣ - كون الأوراق غير منقودة حقيقية.
٤ - أن كثيرا من الأصحاب رجح بيع الفلوس بعضها ببعض حاضرا بحاضر بدون شرط التماثل، ومنع بيع بعضها ببعض مؤجلا ومن بيعها بأحد النقدين مؤجلا، والفلوس إلى النقدين أقرب من الأنواط إلى النقدين.
٥ - أن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو الحاجة إليه كمسألة العرايا، وأجاز كثير من أهل العلم بيع حلي الذهب بذهب وحلي الفضة بفضة متفاضلا بين الحلي والسكة، جعلا للصنعة أثرها من الثمنية والتقويم.
٦ - الحاجة بل الاضطرار إلى هذه المسألة التي في كثير من الأقطار التي يضطر أهلها على الجري على القواعد المؤسسة عندهم في المعاملات التي لا يمكن للمعامل الخروج عنها مع كونه غير ربا النسيئة مع كون الأنواط غير جوهر الذهب والفضة
(١) هو الشيخ عبد الرحمن السعدي، انظر الفتاوى السعدية ص٣١٨، ٣٢٧ - ٣٢٨.