مع اختلاف أهل العلم في حكمها مما يسوغ هذا القول بل يرجحه. اهـ. هذا حاصل ما علل به لرأيه، والفرق بينه وبين ما في قرار هيئة كبار العلماء الذي سقناه قبل، أن قرار الهيئة أباح التفاضل في الأوراق النقدية بشرط اختلاف جهة الإصدار، وهذا الباحث أجازه مطلقا، وأن القرار اعتبر الأوراق النقدية نقودا مستقلة، وهذا الباحث اعتبرها بمنزلة الفلوس المعدنية، فالمسوغ للتفاضل فيها عنده هو كونها بمنزلة الفلوس، والمسوغ له عند الهيئة هو اختلاف جهة الإصدار باعتبارها اختلاف جنس.
ويمكننا أن نناقش هذا الرأي بأنه ما دام يحرم ربا النسيئة في الأوراق النقدية فيلزمه أن يحرم ربا التفاضل فيها؛ لأنه وسيلة إلى ربا النسيئة بناء على قاعدة سد الذرائع، والمعروف في الشرع أن الجنس الواحد من الربويات يحرم فيه ربا الفضل وربا النسيئة كالذهب بالذهب والفضة بالفضة فهكذا الورق النقدي؛ لأنه جنس واحد والعلة فيه واحدة، والمبررات التي ذكرها - خصوصا دعوى الحاجة إلى جريان التفاضل في الأوراق - لا تكفي؛ لأن مجرد دفع الحاجة لا يكفي مبررا لإباحة الشيء دون نظر إلى الضرر المترتب عليه، إذ من المعلوم أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وقوله: أن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو الحاجة إليه كمسألة العرايا، وأجاز كثير من أهل العلم بيع الحلي من الذهب أو الفضة بمثله متفاضلا.
يجاب عنه بأن العرايا قد استثناها النبي صلى الله عليه وسلم مما نهى عنه من المزابنة، وهي أن يشتري الرطب في الشجر بخرصه من التمر؛ لأنه إذا لم يعلم التماثل في ذلك لم يجز البيع، ولهذا يقول الفقهاء: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، والتماثل يعلم بالوزن والكيل، وأما الخرص فيعمل به عند الحاجة، فالعرايا رخصة رخص فيها الشارع تقدر بما ورد به النص فقط، وليس فيها تفاضل محقق بل يجتهد في خرصها وتماثلها، فإن حصل بعد ذلك فيها تفاضل فهو غير متعمد، ثم هل بلغت الحاجة إلى التفاضل في الأوراق النقدية مبلغ الحاجة إلى العرايا التي رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما مسألة إجازة بعض العلماء بيع الحلي المصوغ من الذهب أو الفضة بمثله متفاضلا فهي مسألة اجتهادية تفتقر إلى دليل، ولا يصح أن تتخذ دليلا لما نحن فيه، والله أعلم.