للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو كلام إذا عرضناه على المصادر التي نقلنا منها الكلام الذي قبله وجدناه يختلف بعض الاختلاف فلعله اختيار له.

وقد رجح العلامة ابن القيم قول مالك حيث قال: (١) [وطائفة خصته] أي جريان الربا في القوت وما يصلحه وهو قول مالك وهو أرجح هذه الأقوال كما ستراه، ثم قال بعد ذلك: (٢) وأما الأصناف الأربعة المطعومة فحاجة الناس إليها أعظم من حاجتهم إلى غيرها؛ لأنها أقوات العالم وما يصلحها، فمن رعاية مصالح العباد أن منعوا من بيع بعضها ببعض إلى أجل سواء اتحد الجنس أو اختلف، ومنعوا من بيع بعضها ببعض حالا متفاضلا وإن اختلفت صفاتها.

وجوز لهم التفاضل فيها مع اختلاف أجناسها، وسر ذلك - والله أعلم - أنه لو جوز بيع بعضها ببعض نسأ لم يفعل ذلك أحد إلا إذا ربح وحينئذ تسمح نفسه ببيعها حالة لطمعه في الربح فيعز الطعام على المحتاج ويشتد ضرره، وعامة أهل الأرض ليس عندهم دراهم ولا دنانير لا سيما أهل العمود والبوادي، وإنما يتناقلون الطعام بالطعام، فكان من رحمة الشارع بهم وحكمته أن منعهم من ربا النسأ فيهم كما منعهم من ربا النسأ في الأثمان؛ إذ لو جوز لهم النسأ فيها لدخلها: (إما أن تقضي وإما أن تربي) فيصير الصاع الواحد قفزانا كثيرة، ففطموا عن النسأ ثم فطموا عن بيعها متفاضلا يدا بيد؛ إذ تجرهم حلاوة الربح وظفر الكسب إلى تجارة فيها نسأ وهو عين المفسدة.

القول الثاني: أن العلة في هذه الأربعة هي الطعمية - أي كونها مطعومة -وهذا قول الشافعي في الجديد، ورواية عن الإمام أحمد وهو الأظهر في مذهب الشافعية (٣)، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الطعام بالطعام مثلا بمثل (٤)»، قال معمر راوي الحديث: وكان طعامنا يومئذ الشعير (٥) فدل على أن العلة الطعم وإن لم يكل ولم يوزن؛ لأنه علق ذلك على الطعام وهو اسم مشتق، وتعليق الحكم على الاسم المشتق يدل على التعليل بما منه الاشتقاق.


(١) إعلام الموقعين ص١٣٧ ج ٢.
(٢) ص١٣٨ من الإعلام.
(٣) مغني المحتاج ص٢٢ج ٢، وإعلام الموقعين ص١٣٧ ج ٢.
(٤) صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٠١).
(٥) رواه أحمد ومسلم، المنتقى مع شرحه ص٢٠٥ ج ٥.