للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف، ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا والوسائل الموصلة إليه، وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم إلى أن قال: والشريعة شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثله؛ لأن ما أفضى إلى الحرام حرام، كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. انتهى كلام ابن كثير.

وقد عد المزارعة من وسائل الربا وهذا على قول من يحرمها، والمسألة خلافية كما هو موضح في كتب الفقه وشروح الحديث فليرجع إليها.

٢ - نهى الشارع عن بيع العينة قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (١)»، وبيع العينة: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها ممن باعها منه بثمن حال أقل مما باعها به - سميت عينة لحصول النقد - لأن المشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصوده (٢)، فالقصد التفاضل في الدراهم وإنما جعلت السلعة وسيلة إلى ذلك.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع (٣)» يعني العينة؛ فإن مستحلها يسميها بيعا، وفي هذا الحديث بيان أنها ربا لا بيع، فإن المسلم لا يستحل الربا الصريح وإنما قد يستحله باسم البيع وصورته.

والتعامل ببيع العينة إنما يقع من رجل مضطر إلى نفقة يضن عليه الموسر بالقرض إلا أن يربح في المائة ما أحب، فيبيعه المائة بضعفها بواسطة سلعة يعانها، وكان الرجل في الجاهلية يكون له على الرجل دين فيأتيه عند حلول الأجل فيقول له: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاد المدين في المال وزاد الغريم في الأجل، فيكون قد باع المال بأكثر منه إلى أجل، فأمرهم الله إذا تابوا أن لا يطالبوا إلا برأس المال، وأهل الحيل يقصدون ما يقصده أهل الجاهلية لكنهم يخادعون الله، ولهم طرق منها بيع العينة.


(١) رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات وله طرق يشد بعضها بعضا نيل الأوطار ص٢١٩ ج ٥.
(٢) نفس المصدر باختصار.
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢٠٥٩)، سنن النسائي البيوع (٤٤٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٣٥)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٣٦).