وأفصحها وأوضحها وأدلها، حتى لم يبق لقائل بعدها مقالاً، ولا لمتأول لها مخرجًا، ولا لعيي الفهم عذرًا، ولا لمعرض حجة، ولا لمستكبرٍ وجهًا، وحتى لم يبق لمتلقي هذا الإعلان من الثقلين إلا الإذعان والخضوع وإسلام الوجه لله بلا ريب ولا تردد ولا إباء.
وهذا الإعلان يأتي في مرتبة تلي مرتبتي الفطرة والميثاق، فإن الله فطر الخلق أول الأمر على إسلام الوجه له سبحانه كما قال سبحانه:«إني خلقت عبادي حنفاء كلهم»(١) ثم أخذ عليهم الميثاق على مقتضى الفطرة التي فطرهم عليها كما قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} ثم ها هو سبحانه يعلن الصلة بينهم وبينه سبحانه معلنًا لهم أنها هي الغاية من وجودهم.
وهذا الإعلان هو موضوع جميع رسالات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، هو موضوع الهدى الذي تكفل الله أن يؤتيه خلقه منذ أهبطهم إلى الأرض قال الله سبحانه:
(١) حديث قدسي أخرجه مسلم، ٤/ ٢١٩٧، رقم الحديث ٢٨٦٥.