ألوهيته، الذين عرفوه سبحانه بآياته ومخلوقاته ولم يشركوا معه غيره في خلقه وربوبيته، ولكن شغلتهم الأسباب المباشرة ففروا إلى شواخص محسوسة يشاهدونها أمام أعينهم يظنون أن النفع يحصل من قبلها، وأن الضر يدفع من قبلها، فتوجهوا لها بطلب جلب النفع ودفع الضر، وانهمكوا في تقديم القربات إليها لأجل ذلك فاتخذوها معبودات من دون الله الذي يعرفون أنه خالقهم ومعبوداتهم، يملكهم ومعبوداتهم، ومكَّن هذا المنهج فيهم أنه إرث ورثوه عن آبائهم، فستر داعي تقليد الآباء داعي المعرفة التي يعرفون والفطرة التي فطروا عليها، إلا أن المركوز في فطرهم من معرفة ينازعهم فيرفع عنهم تمام الثقة في هذه المعبودات، فيباشرون أسبابا أخرى تنبئ عن ذلك، فهم مثلاً يطلبون من معبوداتهم من دون الله الرزق ويتقربون إليها بالقربات لأجله، ثم يمارسون أسبابًا أخرى تدل على أنه لم ينزل في جذر قلوبهم الاطمئنان التام اليقين إلى هذه المعبودات فيقتلون أولادهم من إملاق أو خشية إملاق، ويمنعون السائل والمحروم، فهم عابدون لغير الله قلقون غير مطمئنين في معيشتهم.
وجاءهم الرسول مذكرًا فكذبوه وآذوه ولم ينتفعوا بتذكيره، فأنذرهم عذاب الله وعقابه الذي جعل له أجلاً في يوم الدين، فقابلوا النذارة بيوم الدين بمجرد الاستبعاد واستمروا يغمرهم اللهو.