والسورة في معالجة هذه الحال، ابتدأها الرب سبحانه بالقسم بشواهد ربوبيته مخاطبًا معرفتهم وما يقرون به من الربوبية وهو أسلوب يحمل جلال الربوبية وكبرياءها وهيبتها وعظمتها، يقرع النفوس العصية ويردها إلى رشدٍ غفلت عنه، وكرر القسم بربوبيته في ثنايا السورة فقال في الآية "٢٣": {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} وهذه الأقسام: أقسم بها على أن يوم الدين واقع وفيه يذوقون فتنتهم على النار إن بقوا على شركهم، أو متعتهم بالجنات والعيون إن هم اتقوا ربهم وأفردوه بالقربات، فهي قضية محسومة ليست محل جدل واختلاف. والقسم بالربوبية وارد هنا ورود الدليل والبرهان، فإن الرب الذي خلق ويدبر الأمر قادر على البعث والجزاء، وهذا أمر لشدة ثبوته وتأكده يصح القسم فيه بالدليل على مدلوله وبالشيء على لازمه.
فهو قسم يحمل قوتين عظيمتين مهيبتين: قوة الحجة وهيبتها، وقوة المحتج وهيبته، وهذه الهيبة تقرع القلوب ولا ريب، وتقمع نوازع المراء وشبهات الباطل، فإذا وقع هذا القرع والقمع استيقظت القلوب وتحفزت لجدٍّ لا لهو فيه، واستشعرت الصرامة والحزم، وتهيأت لعقل حجة الحق والركون إليه.
وهنا يردهم ربهم سبحانه في تربية مهيبة جليلة إلى طمأنينة تنزع منهم قلقهم، وتخلِّصهم مما قد يشغب على تلقيهم الذكرى بفهم وحضور عقل وانشراح صدر، فيعالج قضيتين نفسيتين يعانون منهما.