للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ورق، ثم زال عن طلبه بزواله عنه حتى لم يبق معه أثر منه.

ومتى جهر هؤلاء بإلحادهم في بلادهم وأمنوا من العقاب فيما يقولون فإنهم حينئذ يفيضون بفنون من الطعن في الدين بإلقاء الشبهات والشكوك التي تزيغ العوام وضعفة العقول والأفهام عن معقتدهم الصحيح وعن دينهم المستقيم، ثم تقودهم إلى الإلحاد والتعطيل والزيغ عن سواء السبيل فيصيرون فتنة في الأرض وفسادا كبيرا.

وحتى الذين لا يعتقدون اعتقادهم ولا يساعدونهم في آرائهم، فإنهم لن يسلموا من مضار أفكارهم، وأقل شيء كون الضعف والوهن يلم بأركان عقائدهم، ثم يسري هذا الفساد وسوء الاعتقاد إلى أهلهم وأولادهم - لأن أكثر الناس مقلدة في دينهم، بحيث يقلد بعضهم بعضا في الأخلاق والعقائد، وقد قال بعض السلف: إنه ما ترك أحد الحق وعدل عنه إلى الباطل إلا لكبر في نفسه، ثم قرأ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (١).

وقد قال بعض الحكماء في أخلاق الكتاب: وقد قال أهل الفطن إن محض العمى هو التقليد في الزندقة، لأنها إذا رسخت في قلب امرئ تقليدا فإنها تطيل جرأته على الدين وأهله ويتغلق على أهل الجدل إفهامه، انتهى، وقد قيل:

عمي العيون عموا عن كل فائدة ... لأنهم كفروا بالله تقليدا

إن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيه قد نظم حياة الناس أحسن نظام بالحكمة والمصلحة والعدل والإحسان والإتقان {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} (٢) أي صدقا في الأقوال وعدلا في الأحكام، فلو أن الناس آمنوا بتعاليم دين الإسلام وانقادوا لحكمه وتنظيمه ووقفوا عند حدوده ومراسيمه لصاروا به سعداء، ولما حصل بينهم بغي ولا طغيان ولا اعتداء، لأنه يهدي للتي هي أقوم، وقد جعل الله شريعة الإسلام بمثابة الخاتمة للشرائع قبلها، فهي شريعة كافة البشر عربهم وعجمهم يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (٣)


(١) سورة الأعراف الآية ١٤٦
(٢) سورة الأنعام الآية ١١٥
(٣) سورة سبأ الآية ٢٨