جرمًا لأن الأَوَّلََين تركا الحق، وهذا ترك الحق وقام بالباطل]
ومما يدل على عِظَم شأن الصدق في الشهادة، وتأكد وجوبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الكذب في الشهادة من أكبر الكبائر، لما ورد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"- وجلس وكان متكئًا- فقال: " ألا وقول الزور". قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت» (١) وإن صِدق الكلمة لا بد أن يتحقق كذلك في العقود والعهود، لأن الإخلاف فيها كذب وخيانة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وقال تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا}.
وقد يتظاهر الإنسان بالصدق لإرضاء الآخرين وهو في الحقيقة كاذب، لعدم مطابقة ظاهره لباطنه، وهذا يُفْهَم من تكذيب الله تعالى للمنافقين في شهادتهم، حيث قال تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}
(١) صحيح البخاري ٣/ ١٥٢، كتاب الشهادات، باب (١٠) ما قيل في شهادة الزور، وصحيح مسلم ١/ ٩١، كتاب الإيمان، باب (٣٨) بيان الكبائر وأكبرها، الحديث (١٤٣)، بلفظ قريب منه.